اللياقة هي احترام النفس واحترام الآخرين وحُسن التعامل معهم، كما أنّها السلوك الذي يساعد على انسجام وتلاؤم الناس مع بعضهم بعضاً، ومع البيئة الّتي يعيشون فيها. فهي مفهوم راقٍ، إنسانيّ وحضاريّ. فالحضارة ليست عبارة عن مجرّد اليسر الماديّ من سيّارة فارهة أو زينة في الملبس فقط، ولكنّها بالدرجة الأولى هي التعامل الإنسانيّ الراقي. واللياقة كلمة تعني الاحترام، وحسن التصرّف واللطف للحصول على احترام الذات وتقدير الآخرين، وتُعرّف اللياقة بأنّها "فنّ الخصال الحميدة" أو "السلوك بالغ التهذيب"، وتتعلّق قواعدها بآداب السلوك، والأخلاق والصفات الحسنة، كما تضمّ مجموعة القواعد والمبادئ والآداب والعادات الّتي تدلّ على الخلق القويم الّذي يجمع بين الرقيّ، والبساطة، والجمال.
12
إنّ النظام السلوكيّ الاجتماعيّ أو ما يعرف بآداب السلوك، هو تأكيد على أصالة ومكانة وقيمة أعرافنا وتقاليدنا، وقبل كلّ شي تعاليم ديننا الذي سنّ الآداب الحسنة. فاللياقة توضح الآداب الاجتماعيّة الراقية والأخلاق الحسنة والأسلوب المهذّب.
إنّ الإلمام بأصول المعاملة يحقّق لنا الراحة والسعادة، وهذه الأصول تجعل الذي يطبّقها يحترم نفسه ويحترم الآخرين. والإنسان بفطرته يحب السلوك الحسن، وينفر من السلوك القبيح سواء صدر عنه أم عن غيره، لذلك يجب أن نتعلّم آداب المعاملة ونجاهد أنفسنا على تطبيقها وتعليمها لأسرنا.
إنّ تطبيق مبادئ اللياقة دليل أكيد على احترام النفس البشريّة
13
وتقديرها، هذه النفس التي فضّلها الله سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات حيث قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾1، فإذا ما ارتقت النفس البشريّة أقامت أعظم وأرقى الحضارات، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
الإنسان مخلوق اجتماعيّ بطبعه يميل إلى المشاركة والعيش في جماعة، وصدق رسول الله صلى الله عليه واله حين قال: "إنّ الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"2. ولكي يتمتّع الإنسان بالسلوك السليم يجب عليه الالتزام بالقواعد والمبادئ التي تنظم هذا السلوك، وهذا ما سنشير إليه في الصفحات التالية لهذا الكتاب.
14
يكتمل السلوك الجيّد بالأداء الراقي للإنسان وقدرته على التصرّف عمليّاً بكلّ احترام، فيجذب المستمعين إليه ويحظى باحترامهم وينال إعجاب الأصدقاء. وترتبط قيمة كلّ إنسان بدرجة تهذيب سلوكه وأدائه الاجتماعيّ، يقول الإمام عليّ عليه السلام: "قيمة كلّ امرئٍ ما يحسنه"3.
لا شكّ أنّ السلوك يبدأ بتهذيب العقل والقلب فهما موطن الإحساس الأوّل، ويجمع خبراء اللياقة على أنّه توجد عدّة أعمال صعبة على الإنسان، ومنها:
15
1-أن يقلع عن عادة قبيحة راسخة.
2-أن يفكّر بطريقة منطقيّة.
3-أن يعترف بجهله.
4-أن يتريّث في إصدار أحكامه.
5-أن ينتظر دون أن ينفذ صبره.
6-أن يعاني دون شكوى.
7-أن يصمت في الوقت المناسب.
8-أن يركّز في ذروة المعمعة.
9-أن يخدم دون أن ينتظر مقابلاً أو مديحاً أو اعترافاً بالجميل.
10-لا شكّ أن النجاح لا يتعلّق بحُسن الحظّ أو اتّجاهات الريح في حياتنا أو الظروف التي نحياها، بل يتعلّق بشكل أساس بنظرتنا للحياة والناس، وطرق استجابتنا لما يحدث من حولنا، فإذا
16
كنت تملك النظرة السليمة للأمور فسوف تتمكّن من أن تحيا حياةً مليئة بالرضا والسعادة.
وهذه بعض القواعد التي تساعد على ذلك:
1-عليك أن تتقبّل نفسك كما أنت؛ تقبّل مظهرك وأسلوبك، ولكن حاول دائماً تطويره، واحترم البدن الذي يحوي روحك بعدم تعريضه للأذى، أو القيام بأيّ شيء يشينك.
2-عليك أن تقبل دروس الحياة، فأنت لم تُخلق لتحيا حياة سهلة سلسة مليئة بالمتعة الخالصة بل تحتاج الحياة إلى الجدّ والاجتهاد والتعلّم، فدروس الحياة تؤهّلك لكي تعيش حياة أفضل، وأن تكون أكثر وعياً لما يدور حولك.
3-يرتكب الإنسان في حياته العديد من الأخطاء، فالّذي لا يخطئ هو الّذي لا يعمل. ولكن يجب أن تكون هذه الأخطاء وسيلة لمعرفة الصواب وعدم العودة إلى الخطأ مرة أخرى.
17
4-دروس الحياة لا تنتهي، فلا تعتقد أنّك تعرف كلّ شيء أو أنّك ستعرف كلّ شيء في مرحلة معيّنة من مراحل حياتك، فاحرص دوماً على التعلّم من مدرسة الحياة.
5-توقّف عن النظر لما لا تملك وركّز انتباهك على ما تملك، أحبّه وتمتّع به وكن قنوعاً بمكانك ومكانتك في الحياة، وارض بما قسم الله لك تكن أسعد الناس، رغم أنّ الطموح مشروع ومرغوب. قال تعالى: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ﴾4.
6-معاملة الآخرين لك انعكاس لمعاملتك لهم، فإن كنت تعاملهم بمودّة فسيبادلونك الكلمة الطيّبة بمثلها والعكس صحيح.
7-تعلّم الاعتماد على النفس وتحمل المسؤوليّة فذلك يكسبك المزيد من التقدير والاحترام.
18
8-أحسن اختيار الأصدقاء، فالصديق الوفيّ خير من يفهمك ويساعدك.
9-إنّ كلّ ما سبق معروف لديك لكنّه يُنسى في غمرة الانشغال في متاعب الحياة، فعليك دائماً أن تتذكّر ذلك وأن تستفيد من دروس الحياة الّتي لا تنتهي.
اتمنى ان يعجبكم